Sunday 30 September 2007

دور الكرد في المنطقة

الدكتور نوري طالباني(*)

لعب الكرد الذين كانوا يسكنون البلاد الممتدة من أرمينيا الشمالية وهمدان حتى سهول حلوان وتكريت والموصل والجزيرة، كما يذكر ذلك ابن الأثير والطبري والبلاذري، دورا فعالا في الأحداث التي مرت بها منطقتهم، خاصة بعد دخولهم الإسلام. وكان للدين الجديد تأثير كبير عليهم حددت لمدة طويلة سبيل تطورهم السياسي والاجتماعي. ولم يغد دور الكرد ضعيفا في الأحداث إلا بعد ظهور المغول. ويذكر أبو الفرج الأصفهاني أنه لما اقترب هولاكو من مدينة بغداد حاول زعيمان كرديان على رأس قوة لا بأس بها أن يتصديا له، لكن دون جدوى، فقد انقض عليهما وهزمهما. وقد تم استعادة مدينة أربيل (هولير في اللغة الكردية) من المغول بثمن مقداره 000 700 مثقال من الفضة، سلم إلى هولاكو.

يعاتب المثقفون الكرد وأبناء الجيل الجديد قادتهم الأوائل بسبب عدم اتحادهم وتوافقهم فيما بينهم، ما أدى إلى عدم استفادتهم من الفرص المتاحة أمامهم لتأسيس كيان مستقل خاص بهم، خاصة في عهد السلطان صلاح الدين الأيوبي مؤسس السلالة الملكية الأيوبية للفترة من 1169 - 1250، ولدى سيطرة كردي آخر هو (كريم خان زند) على العرش الإيراني للفترة من 1760 - 1779 الذي اشتهر بعدله حتى سمي بانوشيروان العصر. فقد تمكن القاجاريون خصوم السلالة الملكية الزندية وبمساعدة بعض الأمراء الكرد في إمارتي (أردلان) و(موكري) من القضاء على تلك السلالة. لقد صرف القادة الكرد جهودهم لخدمة قضايا غيرهم بسب التنافس القائم بينهم وفي خدمة قضية ليست بقضيتهم.

كتب مؤلف كتاب(شرفنامه) وهو (شرفخان بدليسى) الذي كتبه باللغة الفارسية في أوائل القرن السادس عشر وترجم في القرن الماضي إلى العربية، أن الكرد انشاوا خلال الفترة الممتدة من القرن السادس عشر إلى أواسط القرن التاسع إمارات كردية عديدة لكنها متنافسة فيما بينها.

أشار الشاعر الكردي الكبير (احمدي خاني)، الذي ولد في سنة 1061 هجرية (القرن السابع عشر) في ملحمته الشعرية المشهورة (مم وزين) إلى الأحداث الأليمة التي مر بها وطنه كردستان وشبهه بسجين مقيد بالأغلال، لكنه أشار أيضا إلى الوسائل والسبل التي يجب على الكرد اللجوء إليها من أجل إنقاذ وطنهم. يقول خاني " إنني حائر في المصير الذي خصصه الله للكرد، هؤلاء الذين بلغوا المجد بسيوفهم، كيف يصح منعهم من حكم أنفسهم بأنفسهم وإخضاعهم لسلطة الآخرين؟ إن الترك والفرس محاطون بأسوار كردية، وكلما تحركت جيوش العرب والترك سبح الكرد في الدماء التي يسفكها هؤلاء، إننا متفرقون دوما وعلى خلاف فيما بيننا، ولا يخضع الواحد منا للآخر، أما إذا تحدنا جميعا، فلن يستطيع هؤلاء الوقوف في وجهنا..".

يتحرق الكرد إلى ضرورة تكوين دولة وطنية خاصة بهم، وهذا حق طبيعي لهم، لكنهم يعلمون انهم ممنوعون منها. فرغم انهم يمثلون أمة قوية لكنهم أمة بدون دولة. خلال الفترة الممتدة من تاريخ القضاء على الإمارات الكردية حتى ثورة (تركيا الفتاة)، نشأت مقاومة كردية عنيفة تجاه الدين حاولوا إخضاعهم بالقوة.

المسألة الكردية قائمة رغم عدم وجود دولة كردية، وهي قائمة ليس بسبب الثورات والانتفاضات التي قام بها الكرد ليعبروا بواسطتها عن إرادتهم في التحرر من الذل والهيمنة، بل لبقائهم وصمودهم رغم الظروف السياسية القاسية التي مروا بها وما يزالون في معظم أجزاء وطنهم كردستان، وهي ظروف كانت كافية لقلع جذور أي شعب آخر لو عاش ظروفا مماثلة. لكن يبدو أن جذور الكرد عميقة في أرض آبائه وأجداده، فاستطاع الصمود بوجه عوادي الزمن على صعوبتها وقسوتها.

أشار معظم المؤرخين حتى المعادين لآمالهم وأمانيهم للدور الفعال الذي لعبه الكرد في تحديد مسار التاريخ، سواء في إطار إماراتهم المستقلة أو شبه المستقلة أو ضمن الدول التي اصبحوا جزءا منها. لقد ظهر بين الكرد في كل من سوريا والأناضول والعراق وإيران خلال العقود الأخيرة رجال سياسة كبار لعبوا دورا مهما ومؤثرا في تاريخ تلك البلدان. وظهر بينهم بجانب هؤلاء الساسة علماء إجلاء وشخصيات مرموقة ومعروفة ساهموا في إرساء أسس حضارة وثقافة إسلامية ضمن سياقات الدول التي عاشوا في كنفها.

كتب الكاتب والإعلامي العربي السيد عبد الرحمن الراشد مقالا بعنوان "العامل الكردي...هل ينقد العراق؟" في (الشرق الأوسط) بتاريخ 25 اذار 2007، أشار فيه إلى دور الكرد في العراق وكيف انهم يشكلون اليوم عاملا مؤثرا في التوازن القائم فيه وفي المنطقة وانهم لاعبون أساسين في الفريق الحاكم في العراق.

الدور الذي يشير إليه الكاتب كان قائما وموجودا ليس ضمن العراق وحده بل ضمن المنطقة بأسرها بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى ومباشرة الدول الكبرى بتحديد مناطق النفوذ فيما بينها لإنشاء دول ضعيفة فيها. لقد حاول قادة الكرد التعاون مع الآخرين في العراق وفي إطار البلدان الأخرى لاجل طرد الأجنبي وتشكيل كيانات خاصة بالعرب والكرد وغيرهم ولتتعاون تلك الكيانات فيما بينها وتتآزر لأجل بناء حياة جديدة ومزدهرة للجميع. وبدا الأمر بالنسبة للكرد خلال فترة قصيرة وكأن آمالهم قد تحققت، إذ وجدت إقرارا دوليا بها من قبل الدول الكبرى التي اتخذت من نفسها حكما لتحديد الوضع الدولي. ولكن خلافا للوعود المعلنة والتصريحات المفخمة خططت حدود بلدان المنطقة ليس بمقتضى الاعتبارات القومية والإنسانية، بل وفق المصالح المشينة لرجال الأعمال الكبار ودول الغرب الاستعمارية. أما الضمانات التي منحت للشعب الكردي المتمثلة بالوصاية عليه نظرياً من قبل عصبة الأمم، فلم يتمتع بها إلا بصورة واهية وحسب رغبات وزارات المستعمرات.

إن من السابق لأوانه التكهن منذ الآن بمستقبل الوضع السياسي للمنطقة، لكن الشيء الأكيد هو أن كل حل يتجاهل من جديد حقوق الكرد لن يكتب له النجاح ويثير ضمن أوضاع هذه الدول السياسية اضطرابات حتمية، بسبب إصرار هذا الشعب على التمسك بحقوقه والتمتع بها.

--------------------------------------------

* أكاديمي و عضو مستقل في برلمان إقليم كردستان

No comments: